الشيشة (المعسل أو النرجيلة) عادة قديمة بين شعوب آسيا والشرق الأوسط، ولكنها مؤخراً بدأت تنتشر بشكل كبير حتى في الدول الغربية.
حيث أشار التقرير، الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية WHO عام 2005م، إلى انتشار ظاهرة استخدام النرجيلة، ونمو الإقبال عليها، في مناطق لم تعهدها في السابق، وبعد أن كان انتشارها يقتصر طوال القرون الأربعة الماضية على أجزاء من الهند والشرق الأوسط وتركيا ودول شمال إفريقية ذكر التقرير أنّ تسعينيات القرن الماضي شهدت انتشاراً واسعاً لتدخين النرجيلة بين الشباب في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبرازيل ودول شرق آسيا، وهذه النسبة تزداد سنوياً، خصوصاً مع انتشار المقاهي التي توفرها.
وتشير الأبحاث المنشورة من دول الشرق الأوسط إلى أنّ نسبة تدخين الشيشة بين الشباب والمراهقين تتراوح بين 6-34% فيما بلغت النسبة 5-17%بين المراهقين في أمريكا.
ويعود سبب كثرة انتشار هذه العادة بين الشباب إلى اعتقاد الشباب أنّ تدخين الشيشة أكثر أماناً من تدخين السيجارة وبسبب وجود نكهات مختلفة تحسن مذاق الدخان وكذلك انتشار المقاهي التي تهيئ جلسات مريحة وخدمات للشباب كما أنّها أصبحت ملازماً رئيسياً للشباب وبعض الفتيات خلال اجتماعاتهم. حيث يعتبرونها نشاط ترفيهي (هواية) في ساعات الفراغ، وهم يتنافسون في تجربة تدخين أنواع مختلفة من التبغ، ويتفننون في اختراع طرق مختلفة لتدخينها.
هناك اعتقاد سائد بين الناس بأنّ الخلطة التي تسمى (المعسل) تحتوي على فواكه مجففة وسكر أو عسل، وأنّها غير مضرّة بالصحة؛ ولهذا يغضّ بعض الآباء والأمهات الطرف عن تدخين أبنائهم النرجيلة. ويرجع أحد أسباب تعزيز هذه الفكرة الخاطئة إلى اسم المعسل والرائحة الطيبة التي تفوح منه.
والحقيقة أنّ المعسل والتبغ المستخدمين في النرجيلة يتكونان من فتات أوراق التبغ المتخمرة والمكبوسة مدةً كي تمتزج وتنتج نكهةً مختلفةً، وهو ما ينتج منه نمو فطريات تحمل عدداً من المواد الكيميائية التي لم تكن أصلاً موجودة في أوراق التبغ المستخدمة في السجائر، علماً أنّه يُضاف إلى أوراق التبغ مزيج من (الجليسرين ودبس السكر) وعصارات صناعية أو طبيعية للفواكه المتخمرة، بداعي إعطاء نكهات مختلفة مثل ( التفاحتين، المشمش، الكابتشينو، الليمون والنعنع، الكرز، العنب، العسل، الشمام، النعناع، البرتقال، الخوخ، التوت، الفراولة والبطيخ) بالإضافة إلى مواد كيميائية أخرى كصبغات لتلوين مزيج المعسل ومواد حافظة.
وأهم المواد الداخلة في تركيب المعسل هي النيكوتين ومادة النشادر، وأول أوكسيد الكربون، والقطران وتنشأ عن احتراق التبغ. وعلى الرغم مما يُكتب على علب المعسل من أنّ كمية القطران هي صفر؛ أي أنّ القطران غير موجود في الخلطة، إلا أنّ الحقيقة أنْ القطران وغيره من المواد المضرّة ينتج عند احتراق التبغ، وهذا ما أثبتته دراسة سابقة أجريت في الجامعة الامريكية في بيروت وجدت كميات كبيرة من القطران، النيكوتين والمعادن الثقيلة في دخان التبغ المنبعث من الشيشة.
كما أنّ التحاليل أثبتت وجود 70 مادة كيماوية تنتج من تدخين النرجيلة، التي لها تأثير مباشر في الجسم، إضافةً إلى أنّ هناك عدداً من المواد، التي تم تعرّفها بشكلها الصلب، لم يتم تحليلها بعد تعرّضها للحرارة التي تنتج من احتراق الفحم، وهي كثير من الأحيان تتحول إلى مواد غير متوافقة مع خلايا الجسم. وكلّ هذا يستنشقه مدخن النرجيلة.
من الخطأ الاعتقاد أنّ الشيشة أقل ضرراً من التدخين وأنّ مرور الدخان على الماء يخلصه من الكثير من السموم. والحقيقة إنّ الماء قد يخفّف من الشعور بالحرقة التي يسببها تدخين السيجارة وحسب. ولكن هذا الماء لا يقوم بترشيح المواد الضارة من إحراق التبغ، ولا يخفف من أخطارها، ولا من عملية امتصاص الجسم للمواد السامة والتي تبدأ في الفم.
ولكي ندرك ما يحمله تدخين النرجيلة من أضرار أكبر من السجائر يجب علينا أنْ نستحضر عدة نقاط تتعلق بالنرجيلة مقارنةً مع سجائر التبغ العادية، والتنبيه إلى أنّه من الخطأ الادعاء بأنّ النرجيلة أقلّ ضرراً.
- يقضي مدخّن النرجيلة معدل يتراوح بين ساعة وساعتين في كل جلسة لتدخين النرجيلة، بينما تدخين سيجارة واحدة بالكاد يستمر خمس دقائق، وهذا الأمر يعني أنّ الخطر الناتج من النرجيلة يستمر مدة أطول بكثير ممّا في السيجارة.
ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية إلى حقيقة مهمة وهي "أنّ حجم كمية الدخان التي تدخل إلى رئة مدخن النرجيلة في جلسة مدتها ساعة أضعاف كمية الدخان التي تدخل إلى رئة شخص يدخن سيجارة (فقد يصل إلى 100- 200 ضعف) حيث أنّ زجاجة الشيشة يتجمع بها قدراً كبيراً من الدخان، كما يبين التقرير أنّ المدخن العادي يستنشق دخان السيجارة نحو 8-12 مرة، وهو ما يعني أنّه يدخل إلى جسمه أقلّ من نصف لتر دخان، وفي حالة تدخين النرجيلة يستنشق الدخان نحو 200 مرة، وهو ما يعني أنّه يدخل إلى رئتيه ما يقارب لتر دخان مع كل نفس.
ولا مجال للشك أنّ عمق الشفط وقوته عند تدخين النرجيلة يفوقان بمراحل ما يحدث عند تدخين السجائر. مما يجعل مدخن النرجيلة كما لو أنّه يتنشق خمس علب سجائر كاملة في وقت واحد.
كما أنّ العمق جانب آخر تحدثت عنه الدراسات الطبية، التي لاحظت أنّه عند تدخين النرجيلة فإنّ الدخان يدخل ويتغلغل في الحويصلات الرئوية بشكل أعمق من المدى الذي يصل إليه دخان السجائر؛ لذا فإنّ الدخان يبقى في الرئة مدةً أطول في حالة النرجيلة مقارنة بالسجائر، إضافةً إلى تعمّد كثيرين حبس الدخان داخل الرئتين خلال التدخين.
وبيّنت دراسة بريطانية أجريت عام 2009 م أنّ تدخين النرجيلة يزيد نسبة أول أكسيد الكربون في الدم خمس مرات عن تدخين السجائر.
وأما عن كمية النيكوتين في نرجيلة واحدة فقد وجد أنّها تعادل ما هو موجود في 20 سيجارة. كما أنّ كمّية النيكوتين التي تصل إلى الدم خلال تدخين نرجيلة مدة ساعة تزيد 70% على ما يسببه تدخين سيجارة واحدة.
كما أنّ الأخطار الصحية للنرجيلة لا تقل عن السيجارة بل تزيد عليها، فقد تبين أنّ أعراض السعال المزمن الذي يصحبه بلغم كثيف، والشعور بضيق التنفس أثناء القيام بمجهود عضلي، وتكرر الإصابة بالتهابات الشعب الهوائية الفيروسية والبكتيرية تصيب الأشخاص الذين يدخنون الشيشة، بنسبة 11.7% مقارنة بـ 9% للأشخاص الذين يدخنون السجائر. وهذا دليل آخر على تماثل الضرر الذي يسببه النوعان من التدخين.
بالإضافة إلى الإصابة بالسرطان، وخاصة سرطان الرئة، وأمراض الرئة الانسدادية المزمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض اللثة وأورام الفم والمري.
وقد أظهر بحث نشر في (المجلة الرسمية لكلية الصدر الأمريكية) (Chest 2011) على عينة من المتطوعين الرجال والنساء أنّ تدخين الشيشة نتج عنه زيادة مباشرة في ضغط الدم وسرعة التنفس.
كما أنّ النرجيلة تتسبب بشيخوخة البشرة والتجاعيد، وتزيد من خطر الاصابة بالأكزيما، وأمراض الجلد التي تظهر على أصابع اليد التي تمسك الشيشة.
بالإضافة إلى أنّ النرجيلة تؤثر على القدرة الجنسية وتؤدي إلى ضعفها، كما أنّ النساء أكثر عرضة لآثار التدخين الضارة مقارنة بالرجال. ويغلب لدى السيدات المدخنات للنرجيلة ولادة أطفال ناقصي الوزن، ولديهم مشكلات في التنفس.
- يحتوي دخان النرجيلة على بعض المعادن بكثافة عالية، مثل: الزرنيخ، والكروم، والنيكل (5)، وهي تسبّب تسمّم عدد من أنواع الخلايا في حال تجمّعها بتركيزات عالية.
- احتواء المعسل على السكر الذائب الذي يغيّر الطعم المرّ للتبغ، ويجعل التدخين أكثر إمتاعاً، لكن حرق السكر ينتج مواد مسرطنةً ومضرّةً بالغشاء المخاطي. إضافةً إلى أنّ معظم أمكنة صناعة المعسل غير خاضعة لشروط الإنتاج الصحية.
- قطع الفحم المحترق تحتوي على قائمة من الغازات والمواد الكيميائية، وهي مواد -بلا شك- أسوأ عند استخدام أنواع الفحم الصناعي (4). ولا يوجد أيّ إثبات علمي إلى وقتنا الحاضر يؤكد أنّ أيّ إضافة أو تعديل على تركيب جهاز النرجيلة يسبّب في تقليل كمية أول أكسيد الكربون المستنشقة.
- علماً أنّ استخدام الفحم الطبيعي أو الصناعي في إحراق المعسل يحمل مخاطر صحية تفوق تلك التي تنتج من إشعال تبغ السيجارة المغلف بطبقة ورقية رقيقة.
- تحتوي النرجيلة على نسبة من القار الناتج من حرق الفحم، وهي المادة المسؤولة عن البقعة السوداء التي تتكون داخل الرئتين، وتؤدي إلى رفع خطر الإصابة بسرطان الرئة ثلاثين مرة.
- الخطر المرتبط بطبقة الألمنيوم المستعملة في تحضير النرجيلة، التي توضع بين الفحم والمعسل؛ هذا الخطر ينتج عن الحرارة والتسخين الشديد الذي يتمّ لتلك الطبقة خلال تدخين النرجيلة.
ولم يلاحظ الباحثون أيّ فرق في كمية أول أكسيد الكربون بين النرجيلة المزودة بمنقي الدخانfilter وتلك التي لا يتوافر فيها، إلا أنّه تبيّن أنّ النرجيلة ذات الحجم الصغير أكثر خطورةً من النرجيلة الكبيرة؛ لأنّ الدخان يتركز فيها بشكل أكبر.
إلى جانب الأخطار المتعلقة بنظافة أجزاء النرجيلة، ونوع الفحم المستخدم.
حذّرت كثير من الهيئات الطبية العالمية؛ مثل: منظمة الصحة العالمية، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية، ورابطة أمراض الصدر الأمريكية، من احتمال تسبّب استخدام النرجيلة في انتقال الأمراض المعدية. حيث يؤدي الاشتراك في استخدام النرجيلة عند المدخنين، سواء أكان في الوقت نفسه أم لاحقاً، إلى ارتفاع احتمالات نقل العدوى الجرثومية؛ فبعض المدخنين يفضّلون التدخين الجماعي مع الأصحاب، سواء في البيت أم المقاهي، وهو ما يؤدي إلى استخدام مشترك للنرجيلة نفسها التي استخدمها قبلهم المئات، وفي هذه الحالات يتناقلون فوهة التدخين من فم إلى فم، وهو ما يؤدي إلى انتقال الأمراض المعدية عن طريق اللعاب، بدايةً من الرشح والانفلونزا، ومروراً بمرض القوباء الجنسي، إضافةً إلى مرض السل (الدرن الرئوي)، والتعرض كذلك للطفيليات المعدية كالفطريات والبكتيريا "ومنها بكتيريا الهليكوبكتر" التي تسبب قرحة المعدة. ولا يحمي الفلتر المستبدل تماماً من انتشار الأمراض المعدية؛ لأن الإناء والماء المستعملين في النرجيلة قد يتلوّثان، ويكونان مصدراً جيداً لانتشار العدوى. يُضاف إلى ذلك عدم التنظيف الجيد لمعدات التدخين في بعض الأحيان، علماً أنّ تغيير المبسم وأنبوب الشفط والماء لا يكفي البتة؛ لأنّها جزء من عدة أجزاء يمرّ عبرها الدخان.
ومعلوم أنّ كثيراً من مستخدمي النرجيلة للتدخين لا يشفطون فقط، بل ربما ينفخون الهواء عبر المبسم لتعديل طعم المعسل. وهذا يضاعف احتمالات العدوى.
إنّ التدخين السلبي للشيشة هو وجودك إلى جوار مدخنين الشيشة وأنت لا تدخن، مما يجعلك عرضة لنفس الأمراض التي قد تصيب المدخن.
ففي دراسة قام بها باحثون في الجامعة الأمريكية في بيروت (2010Atmos Environ.)، تبين أنّ تدخين ساعة كاملة من الشيشة يطلق في الجو المحيط من المواد المسرطنة والسامة ما تطلقه " 10-20" سيجارة. أي أنّ تأثير التدخين السلبي الناتج عن تدخين الشيشة قد يفوق في خطره تدخين السجائر. ودعا الباحثون إلى منع تدخين الشيشة (النرجيلة) في الأماكن العامة أسوة بالسجائر.
ولذلك يجب أنّ تبتعد عن المدخنين أو أي مكان به دخان نرجيلة حتى تحافظ على صحتك.
أمّا إذا كنت مدخن وكان لديك (أولاد صغار أو إخوة، أو أم حامل أو زوجة، أو كان في البيت شخص مريض) فيجب أنْ تبتعد عنهم أثناء التدخين حتى تحافظ على سلامتهم وصحتهم.
يشير كثير من المختصين في علاج الادمان إلى أنّ أغلبية مدمني النرجيلة يبدؤون رحلة الإدمان من خلال السجائر؛ فالتأثير النفسي الذي يعطيه التدخين نتيجة وجود مادة النيكوتين يجعل المدخن بحاجة إلى زيادة الجرعة، وعندما يصل إلى عدم كفاية هذه الجرعة فإنّه يبدأ بالبحث عن مواد أخرى يضيفها إلى السيجارة أو تبغ النرجيلة؛ للحصول على تأثير أقوى أو مماثل لما كان يحصل عليه مع بدء التدخين، علماً أنّ إدمان النيكوتين يصنّف في عدد من الدراسات على أنّه أحد أشد أنواع الإدمان.
وتتعدّد أسباب إدمان النرجيلة، لكن حالها حال السيجارة؛ إذ تعدّ مرحلة المراهقة أشدّ المراحل التي يقع فيها الشباب فريسة فخ الإدمان. ووجدت دراسة أجريت في الأردن ارتفاعاً في نسبة مدخني النرجيلة لدى الفئة العمرية من 13 إلى 15 سنة من طلبة المدارس بنسبة 27% لدى الذكور، و16.7% لدى الإناث.
وعلى الرغم من كلّ هذه المخاطر الناتجة عن النرجيلة نلاحظ شدة تعلّق المراهقين بها؛ حيث يجد المراهق في النرجيلة موضة العصر، وأداةً من أدوات التسلية والترويح عن النفس مرتبطة بالأكبر سناً، محققاً رغبته في إثبات ذاته وتمرده، خصوصاً مع عدم وجود ما يشين أو أي نظرة سلبية في تدخين النرجيلة في مجتمعنا؛ إذ نرى في بعض المقاهي والأمكنة الترفيهية معظم أفراد الأسرة، بما فيهم المراهقون وهم يدخنون النرجيلة أمام آبائهم وبرعايتهم! وفي بعض البيوت نرى نرجيلةً لكلّ فرد من أفراد الأسرة؛ لذلك فإنّ نظرة المجتمع تمثّل أمراً أساسياً في انتشار النرجيلة.
وللأسف الشديد، فإنّ النرجيلة أصبحت عبر الزمن جزءاً من تراثنا، وتحفةً نزيّن بها بيوتنا. كما أنّ توافرها بكثرة، وسهولة بيع المواد الأساسية لها من دون ممانعة الأهل، يمثّلان سببين رئيسين في انتشارها. ولابد أنْ نغيّر نظرتنا إلى كلّ ما يضرّ صحتنا وصحة الشباب، ولابد أنْ تكون هناك وقفة حازمة فيما يخصّ الاهتمام أكثر بالحياة الصحية، خصوصاً من الأهل.
إنّ وجود توجيه وإرشاد على صعيد الأسرة والمدرسة والمجتمع بمخاطر النرجيلة، والمشكلات الصحية المرتبطة بها، يمكن أنْ يؤدي دوراً مهماً في منع هذه الظاهرة السيئة خاصة عند المراهقين.
وأخيراً يتضح لنا أنّ تدخين الشيشة ليس أفضل من تدخين السجائر كما يعتقد البعض، وهذا ما توصل إليه الباحثون خلال بحث نشر في (المجلة الرسمية لكلية الصدر الأمريكية " Chest 2011”) قاموا خلاله بعمل مراجعة علمية منهجية لكل الأبحاث التي درست تأثير الشيشة في كل دول العالم، وتوصلوا إلى أنّ تأثير الشيشة على الصحة لا يقل بأي حال عن تأثير دخان السجائر وأنّه يسبب كل مضاعفات تدخين السجائر. كما أنّ تأثيرها في البيئة المحيطة أو ما يعرف بالتدخين السلبي لا يقل خطورة عن تدخين السجائر.
كما أظهرت الأبحاث أنّ كثيراً من الذين يدخنون الشيشة يدمنون تدخين السجائر فيما بعد. لذلك يمكن القول بأنّ تدخين الشيشة أصبح مشكلة صحية كبيرة بين الشباب.
- من سن 2 - 8 سنوات عند رؤية (سجائر – نرجيلة) أو شخص يدخن، نسأله عما يعرفه عن أضرار التدخين، ونوضح بصراحة أنّ التدخين شيء سيّء وغير مقبول في بيتنا أو سيارتنا أو أسرتنا. قد يتعجب البعض من فكرة التحدّث عن التدخين مع الطفل منذ هذه السن الصغيرة، لكن الأطفال يكون عندهم وعي برسائل التدخين المنتشرة حولهم، فهم مثلاً من سن ما قبل المدرسة يستخدمون الشفاطات أو الأقلام وكأنها سجائر فهم يقلدون ما يرونه من سلوك الكبار حولهم.
- من سن 9 – 11 سنة: نسأله ما إذا كان لديه أصدقاء مدخنون، ورأيه بسلوكهم هذا، ولماذا يفعلون ذلك باعتقاده، ونتناقش معه عن أضرار التدخين، ونغذي ثقافته العلمية حول التدخين ومشكلاته...
ج. من سن 12 – 15 سنة: غالباً ما يكون هذا هو السن الذي يبدأ عنده المراهق بالتدخين، نتحدث عن التدخين في وسط الكلام، أو أثناء القيام بنشاط مشترك، لأنّ المراهقين لا يحبون المحاضرات، نسأله عن آرائه في المدخنين من أقرانه، هل يحب أنْ يكون أبنائه مدخنين، وماذا سيفعل ليجعلهم غير مدخنين، فهذا يستنهض بداخله موقفاً معادياً للتدخين ومحاربته.
د. التعرف على أصدقاء الابن أو البنت دون أن يشعر بأنّه مراقب هو وأصدقائه، ونشجعه على دعوة أصدقائه لزيارتنا في البيت، ونبني معهم علاقة طيبة، ونتعرف على أسرهم.
ه. نشرك أبناءنا المراهقين في أنشطة نافعة ثقافية أو فنية أو رياضية حسب ميولهم، وذلك ليكونوا محاطين بأصدقاء صالحين، ويشبعوا حاجتهم إلى الانتماء ويحققوا ذاتهم وثقتهم بأنفسهم بطريقة سليمة.
و. نحمّل الابن بعض المسؤوليات المناسبة لسنه، كأن نكلّفه بشراء الخضار أو تدقيق فاتورة المطعم أو مرافقة جده للطبيب... إلخ، أو بشيء يكون هو المسؤول عن متابعته كري الحديقة أو تسديد فواتير الهاتف شهرياً، وعلينا أنْ نشرك الابن والبنت في اتخاذ بعض القرارات التي تخص الأسرة، لأنّ أحد أسباب التدخين عند المراهقين هي الرغبة في الدخول إلى عالم الكبار، ولذلك علينا أنْ ندخله عالم الراشدين من خلال البوابة الصحيحة، وهي تحمّل المسؤولية والقدرة على التفكير.
ز. تربية الابن على أنْ يكون له شخصية مستقلة، نتناقش معه ولا نبدي ضجرنا من أسئلته وعناده، وعلينا تدريبه على اتخاذ القرارات بنفسه منذ الصغر حسب سنه كاختيار ألعابه وملابسه، ثم اختيار الرياضة التي يمارسها، وكيف سينفق مصروفه.. إلخ. وبهذا نبني شخصيته القوية ونجنبه الانسياق الأعمى وراء أصدقائه.
ح. نعلّمه مهارة التفكير النقدي، وألا يقبل أي أمر مسلماً به دون تفكير وتمعن، وأنْ يحلل الأمر من زواياه المختلفة، وأنْ يوازن بين مميزاته وعيوبه ثم يحكم عليه.. إلخ. وبهذا يمكنه ببساطة تحديد مخاطر التدخين بنفسه وتجنبه.
ط. علينا أنْ نعلمه منذ الصغر كيف يقول «لا» للشيء الذي لا يريده أو يرى أنّه خطأ. لكي يستطيع أنْ يقول لأصدقائه "لا للتدخين".
ي. علينا أن نرفض ارتداء الملابس أو استخدام الأدوات التي تحمل أسماء شركات السجائر أو المعسل، فهم يريدون أن يغرسوا فينا أنّ التدخين أمر طبيعي.
- إذا انجرف الابن للتدخين، هذا لا يعني أنّه انحرف أخلاقياً فهذا شعور خاطئ يجب على الوالدان الحذر منه، لأّن مثل هذه المشاعر السلبية تسبب توتر وقلق وضغط نفسي شديد عليهما، ويشعرهما بفشلهما في تربيته، ممّا يؤدي إلى رد فعلي شديد ضد الابن، وعدائية وعنف في معالجة الموضوع، فالنظرة للأمور تحدث فرقاً كبيراً في كيفية التعامل معها. بل علينا التحلي بالحكمة والهدوء، وهذا لا يعني الاستهتار بالأمر والتساهل معه فالأمر كبير وخطير ولكنه يحتاج لعقلانية وحب وحوار.
كما أنّ إشعار المراهق بأنّه يرتكب خطأ سلوكي مشين، ومنحرفاً أخلاقياً يؤثر على رد فعله اتجاه نصائح والديه، ويجعله أكثر عناداً وتمرداً وتشبثاً بالتدخين.
- ينبغي على الوالدين عدم الضغط على المراهق، وتجنب استخدام العنف معه لإجباره على الإقلاع عن التدخين. وإنما التروي في معالجة المشكلة والصبر حتى يلاحظان وجود رغبة وإرادة حقيقيتين من المراهق المدخن للامتناع عن التدخين، واستشارة المختصين (طبيب صحة ومرشد نفسي...).
ج. التركيز على النماذج الواقعية: صحيح أنّ التدخين مضر صحياً على المدى البعيد والقريب ولكن فكرة أنّ التدخين يؤدي إلى الوفاة ويسبب أمراضاً خطيرة كالقلب والسرطان ربما تكون غير مؤثرة بشكل كبير لدى المراهق، فهو يرى أبويه وأجداده وكثيراً من المدخنين الكبار ومازالوا على قيد الحياة! كما أنّه يتصور أنّه حتى يكبر سيكون العلم تطور ووجد علاجاً لآثار التدخين الضارة.
لكن يمكننا التركيز على الآثار الصحية للتدخين والتي يستطيع أنْ يلمسها المراهق ويحس بها مباشرة وبشكل واضح، مثل.. ضيق التنفس، عدم القدرة على الركض أو صعود الدرج، السعال المستمر، اصفرار الأسنان، الرائحة الكريهة للفم ولكل أجزاء جسم المدخن وملابسه، مما يسبب نفور الآخرين منه، لكنهم ربما يشعرون بالحرج من إخباره بذلك.
كما يمكننا تشجيع المراهق على الاستفسار عن التدخين من أحد المدخنين الذين نثق بهم وبرأيهم، على أنْ يكون شخصاً موثوقاً ومقبول لدى المراهق ويحبه، هذا النموذج الحي سيكون مقنعاً وأكثر تأثيراً لدى المراهق لأنّه نابع من تجربة واقعية وليس مجرد حقائق أو نصائح نظرية.
د. تقديم الدعم المعنوي للمراهق. والاستعانة بأصدقائه الغير مدخنين أو الذين نجحوا في الإقلاع عن تعاطي التبغ أو النرجيلة (الشيشة)، والعمل على رفع الروح المعنوية للمراهق ودفعه للتمسك بنجاحه وما أنجزه من إقلاع عن التدخين، وشحذه بالإرادة والإصرار والثقة بالنفس وهذا مهم جداً..
ه. حساب الربح والخسارة المادية: ولأنّ فترة المراهقة تمتاز بميل المراهق للاستقلال المادي والتحكم بمصروفه، وتلفت انتباهه المواضيع التي تدور حول المبالغ التي يمكنه الحصول عليها مستقبلاً، تصرف بمنطقية واحسب مع ابنك التكلفة التراكمية للتدخين، أي كم علبة سجائر تقريباً سيشتري في الشهر وتكلفتها، ومن ثم في السنة، وفي خمس سنوات.. إلخ، وماذا يمكن أنْ يصنع بهذا المال بدلاً من إنفاقه على التدخين. وكيف يمكنه ادخار هذا المال وإنفاقه على نشاط مفيد أو شراء شيء محبب له.
و. مساعدة المراهق على تغيير عاداته تدريجياً ونظام حياته فهذا يساعده على التخلص من عادة التدخين. كالمشي معه لساعتين يومياً، وتشجيعه على قضاء أطول وقت ممكن في الهواء الطلق بهدف استنشاق أكبر كمية من الأوكسجين لتعويض نقصه بسبب التدخين، وكذلك ممارسة الرياضة حتى التعرق ثم أخذ حمام منعش ليتخلص جسمه من آثار التدخين.
ز. الابتعاد عن الأطعمة الدسمة والتركيز على أكل الخضار والفواكه الطازجة، والإكثار من شرب الماء وعصير البرتقال والعنب والليمون خاصة... وتقديم مقبلات صحية ومفيدة للمراهق بين الوجبات والاستعاضة بها عن السيجارة أو النرجيلة....
ح. تقليل عدد مرات التدخين ومدته تدريجياً إلى أنْ يتم الوصول إلى تحقيق الهدف. ومهم جداً عدم الإصرار على قطع التدخين مرة واحدة فهذا يجعل المهمة صعبة، وقد يدفع المراهق للتدخين خفية، لأنّ التدخين إدمان.
ط. الاستعانة بالبدائل العلاجية كلصقات النيكوتين، وعلكة النيكوتين، في المراحل الأولى من علاج التدخين لدى المراهق وذلك لتعويض حاجته لهذه المادة. والتي أدت بنتائج ممتازة للإقلاع عن التدخين.
ي. قوة الإرادة: لابد للمراهق من عدم إطاعة رغبته بالتدخين؛ كأن يقنع نفسه بأنّها مرة واحدة، بل يتصدّى لرغبته الملحة؛ لأنّ الإخفاق مرة واحدة قد يؤدي إلى خسارة التحدي.
ك. تقوية الرادع الديني والروحي لدى المراهق، متبعين الرفق والمرونة والترغيب وتوجيهه للاستعانة بالله ليقويه على هذا الأمر، ومرافقته لزيارة دور العبادة وممارسة العبادات الصلاة والتصدق على الفقراء، فهذا يسمو بروح المراهق ويطهر نفسه ويزيده شفافية، ومهم جداً الاستفادة من الصيام للإقلاع عن هذه العادة، فطول فترة الانقطاع عن التدخين أثناء ساعات الصيام يجعل جسمه يعتاد على التوقف عن التدخين.
ل. اختيار الوقت المناسب للإقلاع عن التدخين؛ فيجب ألاّ يترافق هذا الوقت مع ظروف صعبة، أو أنْ يكون المراهق تحت ضغط نفسي كأداء الامتحانات، أو خلال التعرّض لمشكلات عائلية أو مادية، أو ما يتعلق بالعلاقة مع الآخرين.
م. الابتعاد عن جميع الطقوس المرافقة للتدخين؛ كالامتناع عن الجلوس في مقاهٍ تقدم النرجيلة، أو مع أشخاص يدخنون، وكذلك التخلص من كافة الأدوات المستخدمة في التدخين مثل علب السجائر والشعالات، والبايب والغليون، والمباسم والشيشة والجوزة.
ن. القدوة: إذا كان الوالدين مدخنين أو أحدهما فعليهما أولاً الإقلاع عن التدخين، فهما قدوة للابن، وبالتأكيد كل الكلام والتهديد والنصائح ستفقد معناها وصدقها أمام منظر السيجارة بيد الأم أو الأب. وعليه تحمل مسؤولية مواجهة الموقف مهما كان محرجاً.
ويشرح تجربته للأبناء.. متى بدأ بالتدخين وكيف حصل هذا، ولماذا، وكيف كانت معتقداته خاطئة حول التدخين.. ومهم جداً أنْ يعترف بارتكابه خطأ، ويعبّر عن رغبته في الإقلاع عن التدخين، وعليه ألا يدخن أمام أبنائه، وألا يترك السجائر والشعالة في المنزل وفي متناولهم.
وليستغل الأب هذا الموقف كحافز للإقلاع عن التدخين، طالباً من الابن مساعدته في ذلك، ويعده جدياً بالإقلاع عن التدخين من أجله، ويتخذ من أجل ذلك خطوات عملية وجدية. ومقابل ذلك يطلب من ابنه وعداً صريحاً ومسؤولاً بألا يدخن مطلقاً ولا يحاول تجربته حتى.
وأخيراً فإنّنا في هذا البحث التفصيلي والمطول أردنا أنْ نصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة لدى المراهقين والآباء والأمهات عن السجائر والنرجيلة، ليتجنبوا خطر التدخين، ودعوتنا للجميع هي أخذ القرار بالبعد عن التدخين بكل أنواعه، حتى نحافظ على صحتنا وسلامتنا، وسلامة من حولنا أيضاً.